إتجار بالأعضاء البشرية في لبنان وعين الدّولة نائمة
كلية مقابل 6000 دولار. إنّها ظاهرة الإتجار بالأعضاء البشريّة أو “التّجارة السّوداء”، التي تجني منها المافيات الإجراميّة أرباحاً طائلة، تصل إلى 8 مليارات دولار سنوياً، فيما لا ينال منها أصحاب الأعضاء المباعة سوى القليل؛ فغالبيتهم من الفقراء المعدمين الذين يتمّ الاحتيال عليهم أو استغلال ظروفهم الماديّة، ومن النّساء والأطفال الذين يتم اختطافهم، ليصبحوا “قطع غيار” بشريّة رخيصة.
يمكن إيجاد أيّ عضو من أعضاء جسم الإنسان في السّوق السّوداء بغرض الزّراعة، ويبدو أنّ الكلى هي الأعلى في العرض والطلب؛ 20000 كلية تتم التّجارة بها كل عام بشكل غير قانوني في العالم، أمّا في لبنان فلا يوجد أرقام دقيقة حول هذه التّجارة، إلا أنّ السّعر المدفوع للوسيط يتراوح بين 700 و800 دولار مقابل إقناع شخص ببيع كليته، فيما يتقاضى رئيس العصابة 18000 دولار من مشتري الكلية، بينما يحصل الشّخص الذي باع كليته على 6000 دولار. فيما سعر بيعها قد يصل إلى 300000 دولار.هكذا توزع أرباح الصّفقة.
وتُعتبر المناطق النائية ومخيمات اللاجئين في لبنان مناطق حاضنة لمافيات الإتجار بالأعضاء البشريّة في ظلّ الغياب الشّبه تامّ لأجهزة الدّولة.
حسّان ضحية مافيات تجارة الأعضاء
وفيما تنفي مصادر أمنية انتشار ظاهرة الإتجار بالأعضاء البشريّة على الأراضي اللبنانية، يروي ناطور بناية في منطقة عاليه كيف تعرّض إبن أخته حسّان (23 عاماً) سوري الجنسيّة لعملية استغلال في أيار عام 2018 في منطقة البقاع بعد أن أقنعه “الباش” (الوسيط)، ببيع كليته لتحسين وضعه المادي. مقابل 6000 دولار، اقتنع حسّان ببيع كليته وأجرى العملية في شقة سكنيّة مجهّزة بمعدات طبيّة، لكنه لم يحصل بعدها إلّا على 500 دولار.
وثمّة من يؤكد وجود مافيات لبنانيّة- سوريّة لبيع الأعضاء البشريّة في لبنان، تضمّ في صفوفها أحياناً أطباء وأساتذة جامعات وحتى سياسيين وعسكريين. فما هي أسباب تفشّي هذه الظاهرة؟ أين هي أجهزة الرّقابة في الدّولة اللّبنانيّة؟ ومن هي المافيات التي تتحكّم بهذه السّوق السّوداء؟
مصادر أمنية: لبنان ملتزم ببروتوكول باليرمو
مصدر أمني يؤكد لـ “أحوال” أنّه انطلاقاً من إلتزام لبنان ببروتوكول “باليرمو” الذي يقضى باعتماد تدابير تشريعيّة لتحريم الإتجار بالأشخاص، صدر قانون 164 عام 2011 لمعاقبة هذه الجريمة، وهدف إلى تحريم الإتجار بالأشخاص وتأمين نظام حماية ومساعدة للضّحايا منسجماً مع الاتّفاقيّات الدوليّة في هذا المجال. وقد أُضيفت أحكام هذا القانون مباشرة إلى قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية بحسب مقتضى الحال، وبالتالي دخل حييز التّطبيق وأصبح على عناصر إنقاذ القانون العاملين في مجال الضابطة العدليّة والسّلطة القضائيّة سواء كانت سلطة ادّعاء أو ملاحقة أو حكم، إلزاميّة تطبيقه والتقييد بأحاكامه، وبذلك يكون لجريمة الإتجار بالأشخاص إطار قانوني-دولي هو بروتوكول باليرمو، وإطار قانوني وطني هو القانون رقم 164، ما يدلّ على أنّ الدّولة اللّبنانيّة جادّة في محاربة هذه الجريمة نظراً لأهمّيتها وخطورتها.
ويتابع، من الصّعب تحديد حجم ظاهرة الإتجار بالأعضاء البشريّة بشكل دقيق، نظراً إلى غموض محدّداتها، باعتبارها من الموضوعات ذات الرّقم المظلم والتي تحتاج إلى البيانات والإحصاءات الواضحة. وبالعودة إلى ملفاتنا تبين أنه ومنذ العام 2015 حتى تاريخه لم يتم تنظيم أي تحقيق عدلي بموضوع الإتجار بالأعضاء البشريّة، كما لم يسجّل لدينا أي إخبار ولم تردنا أي معلومة بهذا الخصوص. لذلك يمكننا القول إنّ ظاهرة الإتجار بالأعضاء البشريّة غير متفشيّة، لا بل تكاد تكون غير موجودة في لبنان، وبالتالي لا معلومات لدينا بوجود مافيات تتحكّم بهذه السّوق السّوداء.
الجدير بالذكر، أنّ ثلاثة أشخاص أوقفوا في 19 نيسان 2018، بتهمة دفن أعضاء بشرية في جبانة حي السلم في الضاحية الجنوبية، بطريقة عشوائية. اعترف الموقوفون بفعلتهم بعد اقتيادهم إلى مخفر فصيلة المريجة، مؤكدين، وفق بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أنّهم كانوا يتسلمون الأعضاء من مستشفيات المنطقة، لقاء بدل مادي. ألا يندرج هذا الفعل ضمن خانة الإتجار بالأعضاء البشرية؟
جريمة يعاقب عليها القانون
قانونياً، يقول المحامي بالاستئناف زكريا الغول، شهدت تجارة الأعضاء البشريّة رواجًا غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، لا سيَّما في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالنظر إلى تحوّل الاهتمام بالإنسان كقيمة سوقيّة قابلة للبيع والشّراء تدريجياً مع طغيان الطّابع التّجاري. سماسرة تلك التجارة يستخدمون ثلاث سبل للإيقاع بالضحية، وهي: الإغراء، أو الإكراه، أو السّرقة.
ويتابع، إنّ سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور الحالة المعيشية وانهيار أو ضعف أجهزة الدولة ومؤسساتها القضائية والقانونية بسبب الحروب والنّزاعات فى بعض البلدان، كان وراء انتعاش هذه التجارة غير الإنسانية. “تُعتبر تجارة الأعضاء وجهاً من وجوه الإتجار بالبشر، وجريمة يعاقب عليها القوانين وتحرّمها الأديان، لأنّ جسد الإنسان وأعضاؤه غير قابلة للتداول بين الناس، ولا تصلح أن تكون كموضوعاً للتّعاقد، إذ إن حياة الإنسان وسلامته الشّخصية هما فوق كل إتفاق”، وفقاً لما ورد في المادة 139 من قانون الموجبات والعقود اللبناني.
ويضيف، نظراً للتّطوّر الطبي وُضع هذا المبدأ موضع الشك، حيث أصبح من الممكن أن ينقل الفرد ملكية أحد أجزاء جسمه أو أحد أعضائه لمصلحة الغير، شرط أن لا تسبب العملية ضرراً فعلياً له، وأن تعود بالفائدة على الآخرين، لذلك تم تشجيع عملية وهب الأعضاء وفقاً لأصول قانونية.
غياب دور الجمعيّات
وعلى الرّغم من خطورة هذه الظّاهرة وتشدّد القانون حيالها، إلّا أننا حتّى اليوم ما زلنا نفتقد في لبنان إلى الجمعيات التي تُعنى بمكافحة الإتجار بالأعضاء البشرية. وتشير محاميّة قسم الإتجار بالبشر في منظمة “كفى” موهانا إسحق، إلى أنّه يندرج تحت هذه الظاهرة أربعة أنواع استغلال وفقاً للقانون: استغلال جنسي خصوصاً في شبكات الدعارة، العمل القسري، بيع الأعضاء، استغلال الأطفال في النّزاعات المسلّحة أو التّسول.
وتضيف، لا يوجد في لبنان جمعيات تكافح جريمة الإتجار بالأعضاء البشريّة رغم انتشارها في بعض المناطق النّائية.
وتؤكد أنّ جرم الإتجار بالبشر ليس بالسهل ضبطه، وعادة ما تقوم به شبكات منظّمة يصعب الوصول إليها.
سوابق إسرائيل في سرقة الأعضاء
وتنطوي تجارة الأعضاء على أنواع مختلفة، تتراوح بين الإتجار بالبشر لإزالة الأعضاء، وبيع أجزاء من أجساد المتوفّين، وبيع الكلى من قبل الفقراء، وسرقة أعضاء الأسرى والسّجناء واللّاجئين والمهاجرين، وشراء الأعضاء من قبل المرضى في السّوق السّوداء، والإعلان عن بيع الأعضاء عبر الإنترنت.
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية ،BBC فإنّ “إسرائيل” هي الدّولة الأكثر استهلاكاً لتجارة الأعضاء البشريّة، وقد انفضح تورّطها بسرقة أعضاء جثامين شهداء فلسطينيين فى نيسان عام 2017، حيث اضطرت للإعلان عن فقدان 121 جثة لفلسطينيين كانت تحتجزهم منذ تسعينيات القرن الماضي.
ناديا الحلاق